عزاءٌ غريب!
د.عبد المعطي الدالاتي
توقّفَ القلب ، وعجزَ الطب ، وغادرت روحُها الحياة..
توقفت خفقاتُ قلبها الكبير، فازدادت خفقات قلبيَ الصغير، ومع كل خفقة تسليمةُ وداع لها ، وتسليمُ رضاً بقضاء بارئها.
...
في أيامها الأخيرة اعتكفتُ عند سريرها أمدّ عينا إليها ، وعينا إلى أجهزة الطب الكليلة.
كل لحظة مرّت كانت زمنا مديداً من القلق والترقّب والانتظار .
ومع كل تبدّل في شوارد الدم كانت تتطاير شوارد الفكر !
ألا ما أبعدالمسافة بين الموت والحياة ، وما أقربها !
يا زجاجة الدم ، ارحلي سريعاً إليها ، وبلّغي سلام عروقي إلى عروقها ، ولا تتعجّبي فما أنتِ إلا دماؤها رُدّت إليها.
...
قرأتُ عن اليُتم ، فما فقهتُ شيئاً مما قرأت حتى ذقته ، وحتى سمعتُ سؤال صغيرتي : كيف ستحيا بلا أم ؟!
أكان عليكِ أن ترحلي عنا لنعرفَ بعضَ قدْرك يا أماه ؟!
..
فيارب..
يا خالق الحب في قلوب الأمهات ، والرحمة في قلوب الأبناء
يسجد لك القلبُ بأفراحه ، ويسجد لك بالأحزان
سبحانك..
قدّرتَ الحياة سجالا بين البسمة والدمعة، وبين الفرح والحزن
ولسنا في الثانية بأقلّ حمداً لك منا في الأولى
تباركت ربّنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت
ولك الحمد يوم أخذت ، ولك الحمد يوم أعطيت
ولك الحمد على ما أصبتَ مني ، وعلى حزن يسري في دمي وألم.
لك شكري كله يا إلهي، وأنّى لشكر المخلوق أن يُكافىء عطاء الخالق ؟!
سبحانك اللهم ، كلما ابتليتَنا بفراق أحبابنا ازددْنا لك حباً ، ومنك قربا .
...
غرستُ قلبها المتعَب في الثرى ، وسقيته بالدموع الصابرة
وعدت أدراجي إلى غرفتها ، أنظرُإلى مصحفها الكبير ، وإلى دوائها الكثير ، وإلى ورقة خبأتها تحت الوسادة ، كُتب عليها بخطٍّ مرتجف اعتذارية إلى رسول الله.
...
العزاءات الودودة تتوالى شتى الألوان
منها أنها قُبضت يوم الإثنين عن ثلاثة وستين عاما.
ومنها أنها خَتمت عمرها بمفردات الحمد والتيمم والصلاة .
ومنها هذا العزاء المعبّر الغريب ، إذ قال لي صغيري:
لماذا الحزن يا أبي ؟! ألم تكن تردّد من قبل: فداك أبي وأمي يا رسول الله !
رحمهما الله..
***
علي فكرة الموضوع مسروق من المنتدي الي جنبنا