بعض الظن .. غباء أيضا
.قبل بضعة أعوام قررت السفر إلى إيطاليا ومشاهدة أعظم
آثار روما والبندقية . وكعادتي- قبل كل رحلة- قرأت أدلة و
كتبا سياحية كثيرة عن هاتين المدينتين بالذات.. ولفت انتباهي
حينها كثرة التحذير من الشوارع المحيطة بمحطة القطار الرئيسية
في روما (وتدعى تيرميني) . وذات يوم كان علي الذهاب لتلك المحطة
بالذات لتصديق تذكرة القطار الأوربي . وفور نزولي من التاكسي
بشاب غريب الهيئة ينادي علي بلغة لا أفهمها .غير أنني تجاهلته وأسرعت الخطى نحو المحطة ولكنة أستمر في السير خلفي والصراخ علي بصوت مرتفع .. فما كان مني إلا أن هرولت - ثم جريت - فجرى خلفي مناديا بحدة حتى اضطررت للتوقف ومعرفة ماذا يريد.. وحين وقف أمامي مباشرة اخذ يتحدث بعصبية وصوت غاضب -وكأنة يلومني على تجاهله - في حين كان يريد إعطائي محفظتي التي سقطت فور نزولي من التاكسي . هذا الموقف - الذي أخجلني بالفعل - يثبت أن بعض الضن أثم وان تبني الآراء المسبقة يحد من تفكيرنا ويحصره في اتجاه ضيق ووحيد .. وكنت قد مررت بموقف مشابهة قل 20 عامً في (جامعة منسوتا) حين كنت أتناول طعامي بشكل يومي في (بوفية )الطلاب .. فخلف صواني الطعام كان يقف (الطباخ)وبعض العاملين في البوفيه لمساعدة الطلاب في (الغرف) واختيار الأطباق.. ولفت انتباهي حينها عاملة يهودية متزمتة تعمل في المطعم (وأقول متزمتة بناء على لبسها المحتشم وطرحتها السوداء ونجمة داؤود حول رقبتها ) . وأذكر إنني كرهتها من أول نظرة - وافترض أنها فعلت ذالك أيضا - وكنا دائماً نتبادل نضرات المقت والاشمئزاز بصمت . وذات يوما رمقتها بنضرة حادة فما كان منها إلا إن اقتربت من وأمسكتني من ياقة قميصي وهمست في أذني( هل أنت مسلم؟) قلت (نعم ) فقالت ((إذا احذر" ماتحملة في صحنك لحم خنزير وليس لحم بقر كما هو مكتوب ))؟؟ ... وكنت قد قرأت - في مجلة الريدر دايجست - قصة طرفة عن دبلوماسي أمريكي تلقى دعوة لحضور مؤتمر دولي في موسكو ( في وقت كانت فيه حرب الجواسيس على أشده ) . وقبل مغادرته مطار نيويورك حذرته وزارة الخارجية بأن الروس سيتجسسون علية وسيضعونه في فندق خاص بالأجانب يمتلئ بأجهزة التنصت.. وهكذا ما أن دخل غرفته في الفندق حتى بدأ يبحث عن أجهزة التصنت المزعومة_ والميكروفونات المدسوسة _خلف اللوحات وفوق ألمبات وداخل الكراسي بل وحتى داخل التلون نفسه وحين كاد ييأس نضر تحت السرير فلاحظ وجود سلكين معدنيين (مجدولين حول بعضهم البعض يبرزان من أرضية الغرفة الخشبة فأيقن أنة عثر على ضالته . فما كان منة إلا أن احضر كماشة قوية وبداء بفك الأسلاك عن بعضها البعض ثم قطعها نهائياً –قبل أن يصعد على سريرة لينام . غير أنة سرعان ماسمع صفارة الإسعاف وأصوات استنجاد وصراخ من الطابق السفلي فرفع السماعة ليسال عما حدث فإجابة الموظف في مكتب الاستقبال : ((لا تقلق ياسيدي ، سقطت النجفة المعلقة أسفل غرفتك على رأس المندوب البلجيكي ))!! مرة أخرى أيها السادة... بعض الضن ليس أثماً فقط ، بل ويحصر تفكيرنا في أتجاة ضيق ووحيد !! منقول من كتابات الكاتب المبدع فهد عامر الأحمدي